دونكيخوطية عبد اللطيف شهبـون-الزبير بن بوشتى
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
كلام مباح

دونكيخوطية عبد اللطيف شهبـون

  الزبير بن بوشتى    

عندما ينجح البشر في الهروب إلى مملكة الحكايا، آنذاك يمكن أن يتفق لهم أن يمتلئوا نبلا وحنوا وشعرا. أما في مملكة الحياة اليومية، فتسيطر عليهم للأسف التحفظات والريبة والشكوك». هذا ما قاله ميلان كونديرا في مزحته الروائية. وعلى هذا المنوال سأحاول أن أسترجع معكم حكاية أحد مساءات نوفمبر من عام 1985 استضاف خلالها نادي 21 بطنجة المؤرخ والروائي الفذ عبد الله العروي الذي قدم محاضرة بقصر مولاي حفيظ تحت عنوان: «تحدي الواقع»، وقد كان آنذاك الأستاذ عبد اللطيف شهبون من ثلة مثقفي الجهة الشرفاء المؤسسة لنادي 21 ومن أبرز منظمي هذا اللقاء. أتذكر أن د. عبد الله العروي ألقى عرضه في قاعة القصر الكبرى الغاصة بالحضور، مركزا في مستهله على البعد النظري في واقعية دون كيخوتي كأشهر بطل مناقض للواقع... كشخصية متجاوزة... كبطل رومانسي يتحدى الواقع... كشخصية تعيش الإنفصام... كشخصية موزعة بين واقع العام وواقع الذات...
إلى اليوم، وكلما التقيت بالأستاذ عبد اللطيف شهبون إلا والتمعت صور ذلك اللقاء على شاشة ذهني ودوى صداها في مسامعي الباطنية. وكأن الرجل تمثال من حياة ينفخ فينا ذكرى الرومانسي الدون كيخوطي الذي لا يمل من تكرار الكرة في فره وكره من السياسة إلى الشعر ومن الشعر إلى السياسة.
في الجزء الثالث من خواطره الصباحية سيكتب عبد الله العروي صباح يوم الخميس 31 أكتوبر من عام 1985 أي عشية محاضرته في طنجة: «الواقع يتحدانا: اعرفني قبل أن تحلم بتغييري».
كما هو حال المثقف العربي من وريد الوطن إلى مذبح الأمل لم يتعب بعد السي عبد اللطيف من الإنخراط في الواقع المعيش والإنصهار في قضايا الوطن الكبرى منها والتافهة، اليومية والمصيرية... يراكم التجارب وينوع أنشطته من سياسية إلى حزبية إلى حقوقية إلى جماعية إلى ثقافية... تجارب لم يجن منها إلا المزيد من المرارات يصنفها بصمت في أروقة متحف احتراقاته السري، كمجمع نادر لتحف يكتوي بها قلبه العاشق. عاشق محترق أبى ويأبى التطاحن من أجل المكاسب الآنية في حروب مجالس تبرأت منها المدينة وتوجس منها الوطن... هو الذي زهد في المناصب والإمتيازات في زمن تخلى فيه المثقف عن القافلة في عز الترحال لينضم لجوقة مصاصي عظام الديمقراطية...
فأين أنت من دونكيخوطي المتحدي للواقع يا صديق الشعر والطوباوية... يا من ترك الشعر في برج الفؤاد منذورا لإنتظار غذ أفضل، وراحل يجوب مزالق السياسة ومطباتها أملا في التعرف على الواقع وإيمانا بتغييره... من مدريد إلى جنوب إفريقيا وكل بقاع الأرض جبتها بطوباوية المؤمن بالكلمة/الفعل... تستهدي بشجرة الشرفاء وقد أورقتها دماء عمر ولوركا وغاندي وتشي غيفارا وعبد الكريم الخطابي والزرقطوني وناجي العلي ويطو زيان وسعيدة المنبهي... وكلما هوت الطعنات على ظهرك واحتدت ضراوتها إلا واعتلت محياك ابتسامة ازدادت إشراقة في وجوه الأعدقاء...
دمت للشعر ودام الشعر لك تقيك شفافيته من رجس السياسة... وما بينهما موجة تصدح بالغناء وإلى الأبد...



 
  الزبير بن بوشتى (2011-04-29)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

دونكيخوطية عبد اللطيف شهبـون-الزبير بن بوشتى

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia